الأحد، 8 مارس 2020

نص الحوار الكامل مع الدكتور فاروق داي نائب رئيس جامعة جونز هوبكينز

top

تحميل حواري الكامل مع الدكتور فاروق داي  الأكاديمي الجزائري نائب رئيس جامعة جونز هوبكينز بالولايات المتحدة الأمريكية.
جريدة الشروق اليومي، الأحد 08 مارس 2020، العدد: 6428. ص 18
كل الشكر للإعلامي والصديق: أيوب بنونة  Med Ayoub Bennouna

Dr. Farouk Dey - د. فاروق داي


نص الحوار كاملا:
هذا الحوار أجراه الباحث في ميدان التوجيه والإرشاد المهني الأستاذ أحمد بلقمري مع الدكتور فاروق داي العالم الجزائري المتخصّص في إدارة التعليم العالي بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد حصلت الشّروق اليومي على حق نشره حصريا، وهو حوار يسلّط الضّوء على تجربة الدكتور فاروق داي في إصلاح نظام التوجيه في الجامعة الأمريكية العريقة ستانفود، ومن بعدها جامعة جونز هوبكينز، والذي يكشف عبره الدكتور داي عن المقاربة التي قام بتطبيقها في الجامعة الأمريكية والمتعلقة بما يعرف بالتعليم المدمج وتصميم الحياة، والتي جعلت عديد الجامعات تطلب خدماته لإصلاح نظام التوجيه، بداية بجامعة ستانفورد ووصولا إلى جامعة جونز هوبكينز التي يشغل بها منصب نائب رئيس الجامعة.
هذا الحوار غنيّ بالأفكار والإلهام، الشّغف والأمل، ويجعلنا نكتشف واحدا من أقمار العلم وشموسه الجزائرية التي تسطع في الغرب.

Dr. Dey with Dr. Krumboltz
§       الأستاذ الدكتور فاروق داي، أنتم من مواليد 1975 بمدينة بوفاريك العريقة، ولاية البليدة. درستم بالمعهد الوطني للتخطيط والإحصاء ببن عكنون، الذي تحوّل سنة 2008 إلى المدرسة الوطنية العليا للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، ومقرّها القطب الجامعي بالقليعة، ولاية تيبازة. كبداية، كيف تنظرون إلى هذه المحطّة من مسيرة حياتكم العملية؟.
عندما يكون الإنسان في مرحلة الجامعة، يبدأ في اكتشاف العالم من حوله والتفكير، فيقول: أريد الذهاب بعيدا، أريد تعلّم أشياء أخرى بشأن هذا العالم. هناك، تقول بأنك تريد الدراسة في جامعات أخرى، وتشعر كأنك لا تملك حلولا للأسئلة المتعلقة بمكان طلب العلم، والتعرّف على النّاس؛ فلذلك كانت المرحلة الجامعية بالمعهد الوطني للتخطيط والإحصاء بمثابة القاعدة الأكاديمية التي كان منها المنطلق، فدون تلك المرحلة لم يكن هذا الذي أمامنا.     
§       كيف ينظر الدكتور فاروق داي، إلى هذا التحوّل المهم في مسيرة حياته العملية، بعد الحصول على شهادة الدكتوراه في إدارة التعليم العالي من جامعة فلوريدا سنة 2012، والانتقال إلى ثاني أكبر جامعة في العالم، ألا وهي جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية؟، وهل للقارئ أن يتعرّف على أهم المناصب التي شغلها الدكتور داي في ذات الجامعة؟.
الأمر الذي تعلّمته في حياتي الجامعية هو أنني لا أستطيع التخطيط للمستقبل، لكن الأمر الذي أستطيع فعله هو اكتشاف الأشياء التي أحبّها، والأشياء التي مررت بها عن طريق التجارب، وعن طريق العلاقات مع الناس. عندما بدأت مسيرة الحياة العملية في الإطار الجامعي، لم يكن هذا هدفي في البداية، لأنني كنت محتاجا لتوفير مصاريف الدراسة، والمكان الذي بدأت العمل فيه كان الجامعة، لأن القوانين في الجامعات الأمريكية تسمح للطالب ببدء بعض الأعمال للمساعدة في توفير مصاريف الدراسة والإنقاص من التكاليف، ففي الولايات المتحدة الأمريكية بإمكان الطالب الحصول على منحة تساعده على إكمال الدراسة. بداية مسيرة حياتي العملية كانت بسبب الاحتياج، وبهدف توفير المال اللازم للدراسة، لكن وجدت نفسي كلّما أخذت تجاربا، وتعلّمت أشياء جديدة، أهتم بحياة الطالب أكثر، فصار اهتمامي منصب على طريقة تعلّم الطالب، وكيفية استيعابه للعلم، وكيف تكون الجامعة مركبة بطريقة جيدة كي يستفيد الطالب فعلا منها. وكما يقال من الممكن أنّ بعض الحظ، وقليل من التجارب والعلاقات التي ربطتها هو ما ساعدني لبناء مسيرة حياة عملية في الجامعة. ففي جامعة فلوريدا (University of Florida) مثلا العمل الشيء الذي قمت به هناك، كان أشبه بالعمل الذي تقوم به أنت الآن، وهو عمل مستشار في التوجيه المهني. حقيقة، قمت بذلك العمل لأوفر تكاليف الدراسة في الدكتوراه، لقد كان عمل المستشار في التوجيه المهني يعجبني كثيرا، ولكن أيضا هذا الأمر جعل مصالح الجامعة تعفيني من دفع تكاليف الدراسة، وبذلك كان وسيلة لتوفير المال. الأمر الذي تعلّمته من تلك التجربة بالإضافة إلى إعجابي بذلك العمل، هو تفكيري ليس فقط في إطار التكوين المهني ولكن في إطار التعليم الجامعي، حيث كنت كثيرا ما أتساءل: كيف يمكن أن تكون الجامعة مركبة بشكل أفضل، لكي تساعد الجامعة فعلا كلّ طالب بغرض النجاح في حياته الجامعية، والعملية والشخصية. فالأمر الأوّل الذي قبلته وجعلني أقوم بأمور أخرى، والذي من الممكن أنّ عددا كبيرا من الطلبة الآخرين لا يقومون به، هو عمل بحث صغير، يتعلق بشأن كيفية تكوين الجامعة للطالب في حياته الجامعية، والشّخصية والعملية بعد الجامعة، كتبت البحث ونشرته، وبعد نشره اهتمت به الجامعات الأخرى كثيرا، فوجدت نفسي مطلوبا من طرف تلك الجامعات، حيث اتّصل بي مسؤوليها من أجل برمجة ملتقيات، ومحاولة الاستفادة من بحثي، ومساعدتهم في شرح طريقة القيام بتلك الأمور. هذا الأمر فاجأني كثيرا، لأنني في تلك الفترة، لم أكن متقدّما في مسيرة الحياة العملية، وذلك الاهتمام شجّعني على عمل أشياء أخرى. البحث هو الذي جعلني أصل إلى ما أنا عليه الآن، فبالرغم من أنّني عملت مستشارا للتوجيه المهني، وكنت أحضّر لنيل شهادة الدكتوراه، وأدرّس المحاضرات في الجامعة، إلاّ أنّ البحث هو الذي فتح لي كلّ الأبواب. قمت ببحث صغير ونشرته، فاهتمت بي جامعات عديدة، ومن بعد ذلك جاءتني كلّ تلك المناصب، وجاءتني الفرص المختلفة، ومنها جامعة كرنيجي ميلون (Carnegie Mellon University) التي منحتني منصب مدير مركز التطوير الوظيفي والمهني بسبب بحثي. سافرت من جامعة فلوريدا إلى هناك، وعملت وطبقت الأشياء التي بحثت فيها، كما تحدّثت بشأن ذلك في المؤتمرات، فسمعت إدارة جامعة ستانفورد (Stanford University) بما كنت أقوم به، وتمّ الاتصال بي فانتقلت من ورحت جامعة كرنيجي ميلون إلى جامعة ستانفورد، وشغلت منصب عميد التكوين المهني والتعليم التجريبي، فهذه الأمور مجتمعة كانت بدايتها كلّها من البحث الصغير الذي قمت به. لم يكن هناك مشروع كبير، كانت فقط فكرة راودتني لاهتمامي الشديد بالموضوع. كنت أفكّر وأقول: يستحيل أنّ الطالب يبني حياته لوحده، ينبغي أن يساعد في ذلك كلّ النظام. هناك درس نستخلصه من هذه القصة -هذه طريقتي في الحديث- أحدّثك عن أمر ما، وأرغب في تقديم درس صغير من خلالها لأناس آخرين. الدّرس هو: لا ينبغي أن تفكّر طويلا، قُم بشيء ما !. ففي TEDx مثلا، تكلّمت على الخطوة الجريئة (Audacious move)، وبالنسبة لي كانت خطوتي الجريئة سابقا هي عمل بحث، لم أكن قد أكملت دراستي لنيل شهادة الدكتوراه، حينذاك كنت أعمل، ولم يكن عندي الوقت الكافي، لكن بالرغم من ذلك ولجت ميدانا لم أكن أعرفه بشكل جيّد، أخذت خطوة جريئة، وأكملت ذلك البحث.
§       بالنسبة لمفهوم الخطوة الجريئة، ألا تعتقدون أن هذا المفهوم يتطابق مع مبدأ الخطوة القادمة « Pas d'après » الذي اقترحه André Chauvet (مستشار مكوّن/ خبير الإرشاد في التطوير المهني/ التوجيه) في سياق الحديث عن تصميم التغيير كسيرورة توازن مؤسسة على مبدأ  الخطوة القادمة؟.
أعتقد أنّ هناك شخص آخر تحدّث عن هذه الفكرة، وهو مدرب فريق كرة السّلة بجامعة دوك (Duke University) بالولايات المتحدة الأمريكية، أين تحدّث عن اللّعبة القادمة (Next play)، كان يقول ذلك لفريقه، تقريبا هو نفس المبدأ. الفكرة تقول: صحيح، أنّك ربحت هذه النقطة، وعليه لا ينبغي أن تفكر فيها فقط، عليك الانتقال إلى اللّعبة القادمة، وإذا خسرت لا تبقى منشغل التفكير في ذلك، تقدّم وانتقل إلى اللعبة القادمة. كان المدرّب يقول لأعضاء فريقه: فكّروا في اللّعبة القادمة !. إذا بقيت تفكّر وتقول لقد ربحت هذه النقطة، فأنت لن تركّز في الخطوة القادمة، لذلك لا ينبغي لك أن تقول بأنّك ربحت وانتهت القصة، لا ينبغي أن تشعر بذلك في دواخلك. لا تقل لقد وصلت، فكلّما تأتيك الفرص ولا يكون نصيبك النجاح، ما يزال أمامك الميدان الذي من الممكن أن تنجح فيه. إذن، هو نفس المبدأ الذي قال به أندري شوفيه.  
§       المتتبع للمسيرة الأكاديمية للدكتور داي في الولايات المتحدة الأمريكية، يرى بأنّها كانت مزيجا من التجارب في تخصصات عديدة، أهمّها: إدارة التعليم العالي، علم النفس الإرشادي، إدارة الأعمال، المالية، والتخطيط والإحصاء، ناهيك عن التطوير الوظيفي والمهني، شؤون الطلاب، شؤون التوظيف، وبرامج تطوير القوى العاملة. ماذا يعني هذا؟، وهل هو امتداد لمقاربتك في التعليم المدمج وتصميم الحياة؟.
أعتقد أنني فهمت سؤالك. هناك أمر يعجبني في التعليم الأمريكي، يمكنك تغيير موضوع دراستك بسهولة، فلا ينبغي لك أن تبدأ بشهادة الليسانس في ميدان ما وتبقى في ذلك الميدان إلى طور الدكتوراه، فمثلا أنا في أمريكا درست طور البكالوريوس (الليسانس) في إدارة الأعمال، ثم الماستر في إدارة الأعمال، ومن بعد جاءتني نقطة الإلهام، واخترت الذّهاب إلى دراسة علوم النفس، رغم أنّ البكالوريوس الذي تخصصت فيه لم يكن في ميدان علوم النفس أو شيء من هذا القبيل (التعليم العالي الأمريكي يسمح بذلك)، ذهبت وسجلت لمتابعة الدراسة في الماستر في علوم النفس ثمّ الدكتوراه في إدارة التعليم العالي. الجامعة الأمريكية تعطيك الفرصة لاتباع مصدر إلهامك، والأشياء التي تقع في دائرة مركز اهتمامك، تلك التي تكون مفيدة، وذات مصلحة بالنسبة لك. هذه الأشياء تجعل الطالب ينجح في حياته، لأنه مسيرة الحياة الجامعية ليست خطّا مستقيما ومسطّرا، بحيث أنّ الطالب يدرس البكالوريوس، ويكمل المسيرة إلى الدكتوراه في ذات التخصص. الحياة تتغير، لذلك من غير المناسب أنّ الطالب يقول لابدّ أن أبدأ الدراسة في هذا المجال، وأواصل فيه إلى النهاية. اليوم تدرس مجال علم النفس، ومن بعد تتوقف وتدرس علوم الصحافة، ومن بعد تدرس العلوم السياسية، ومن بعد ذلك ممكن تعود لدراسة إدارة الأعمال، أو إدارة التعليم العالي، وبالخصوص في الوقت الحالي الذي نعيشه هنا. أعود إلى سؤالك، الأمر الأول الذي أقوله هو الحمد لله أنّ نظام التعليم الأمريكي هو الذي جعلني أتبع مصدر إلهامي في كلّ مرة، في البداية بدأت دراسة إدارة الأعمال ومن بعد ذلك دراسة علوم النفس. الوقت الذي كنت أسير فيه في هذا الطريق لم يكن الأمر واضحا بشكل كافي لضمان تسيير مستقبل دراستي، فالدّرس المستخلص هنا، هو أنّك تمشي في غابة والطريق غير متضحة المسار والمعالم. في عملي، كلّ يوم أستفيد من التجارب والدراسة التي قمت بها في إدارة الأعمال، والإحصاء، وعلوم النفس، أستعملها يوميا في التعامل مع الناس والطلبة. القيام بعملي اليوم بطريقة ناجحة هو بفضل تكويني في هذه المجالات مجتمعة، فدون الدروس التي تعلمتها لا يمكنني أن أتقدم في عملي. هناك بعض الناس الذين لا يملكون مثل هذه التجارب، ولم يدرسوا هذه الأمور، يمكن أن يكونوا غير متحكمين في عملهم، أو أن عملهم يعتريه بعض النقص، مقارنة بمن درس هذه الأشياء.
أعتقد أنّ الشخص الذي تكون لديه الفرصة لكي ينوع دراساته سيجعله هذا الأمر ينجح في حياته، مقارنة مع من يدرس تخصصا واحدا في حياته، فأنا أشجّع الطلبة لدراسة العلوم السياسية، وعلوم النفس، والهندسة، والرياضيات والآداب، ليس الدراسة فقط، وإنما الدراسة والتجريب أيضا، وربط هذه الأشياء مع بعضها، لكي ينجحوا في حياتهم العملية.       
§       منذ صدور قرار الرّئيس الأمريكي السّابق «رونالد ريجان» في عام 1982، والقاضي بتشكيل لجنة (تحت الإشراف المباشر للبيت الأبيض، تتكوّن اللجنة من 18 عضوا) من صفوة الخبراء في التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، لإعداد التقرير الشّهير بشأن التعليم المسمّى «أمّة في خطر A Nation At Risk »، ما فتئت الولايات المتحدة الأمريكية تهتمّ كثيرا بسياسات التعليم، وهو ما جعل جامعاتها تحتل الصّدراة في الترتيب العالمي كلّ سنة. هل ترى أنّنا في الجزائر قادرين على تغيير واقع التعليم (المنظومة التربوية بمرتكزاتها الثلاث حاليا) نحو الأفضل، بوضع استراتيجية حديثة تعتمد مقاربات علمية ذات نجاعة وأنظمة تسيير ذات جودة؟، كيف يكون ذلك؟، وما الذي توصون به في هذا الإطار؟.
تقرير أمّة في خطر، جاء في ضوء الحاجة الملحة إلى تحسين التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بتحقيق إصلاح دائم للنظام التعليمي، حيث أوصى بضرورة توفير المحتوى التعليمي المناسب لإعداد الطلاب وتلبية احتياجاتهم المتنوعة تبعا لتنوّع خلفياتهم، وتطلّعاتهم، وقدراتهم. كما أوصى بتوجيه الانتباه إلى طبيعة المحتوى المتوفر واحتياجات متعلّمين معينين، فكانت إتاحة التعليم للجميع وفقا لاحتياجاتهم، بهدف تزويد الأشخاص بالمهارات المطلوبة للوظائف الجديدة والمواطنة.
التقرير أوصى بتعزيز متطلبات التخرج من المدارس الثانوية العامة والمحلية، وتبني المدارس والكليات والجامعات معايير أكثر صرامة وقابلية للقياس، فضلاً عن التوقعات الأعلى فيما يتصل بالأداء الأكاديمي وسلوك الطلاب، كما أوصى بتكريس المزيد من الوقت لتعلم الأساسيات الجديدة، وتدريس مهارات الدراسة والعمل الفعالة، وتحسين إعداد المعلمين أو جعل التدريس مهنة أكثر مكافأة واحتراما. تقرير أمّة في خطر، كان في الحقيقة بمثابة إعداد المواطن الأمريكي لعصر الثورة الرقمية المعلوماتية، وبذلك حظي المتعلمون في المدارس والثانويات والجامعات باهتمام ورعاية كبيرين مما كان له أثر في تحقيق الريادة للمجتمع الأمريكي بين الدول.
وما يمكنني قوله في هذا الإطار للإجابة على سؤالك. ينبغي إيلاء أهمية قصوى للتعليم، لا سيما التعليم الجامعي، فالطالب في الجامعة لابدّ أن يكون أهم عضو على الإطلاق، بحيث ينبني عليه كلّ شيء، فلا بد أن يكون المركز. الأبحاث العلمية ينبغي أن تبنى لتفيد الطالب، والحياة الجامعية تبنى لذات الغرض. يمكن أن يفكّر أحدهم أو يتساءل ويقول: كيف يمكن للأبحاث والحياة الجامعة أن تفيد الطالب؟. هي تفيده ليس في دراسته وحسب، ولكن في حياته أيضا، فهي ينبغي أن تبنى لتفيده في تصميم حياته الشخصية والعملية، ودون شك ينبغي أن يبنى محتوى المناهج التعليمية لنفس الغرض. وكما قلت لك سابقا، أنا يمكنني تقديم تصوّري –بصفة عامة- لكيفية تركيب وبناء الجامعة، وأنتم هناك في الجزائر من تقرّرون وتقيّمون.
§       كنتم أفضل صوت في التعليم على LinkedIn للعام 2018، كما كنتم متحدّثا في TEDx سنة 2019، وقلتم في TEDx أنّ السّؤال: «ماذا تريدون أن تفعلوا في حياتكم؟»، هو السّؤال الذي لا تودّون أن تسألوا أحدا بشأنه مجددا. لماذا قلتم ذلك، وهل تغيّر رأيكم الآن؟.
ما الذي تقصده بتغيّر رأيكم الآن؟.
§       مقارنة بالسّؤال المعروف والسّائد: «ماذا تريدون أن تفعلوا في حياتكم؟».
هذا السّؤال لا يزال حاضرا في الأذهان إلى الآن، فهو لا يزال يطرح في كلّ مكان. لماذا فكرت في ذلك، لأنّني وجدته سؤالا يطرح كثيرا هنا في الجامعة الأمريكية، وأنا على علم بأنه يطرح هناك أيضا في الجزائر، وقد سافرت إلى بلدان عدّة، عملت وقدّمت محاضرات عديدة في آسيا وفي أوربا، وفي أماكن أخرى، ودائما أجد في الحياة الجامعية، ولدى الإنسان هذا التوتر، وهذا السؤال: ماذا سأفعل في حياتي؟. ما الذي سأقوم به في الخمس أو عشر سنوات، ما الذي سأدرسه؟، وما هي الشعبة التي أختارها في دراستي؟. أذكر أنني في الوقت الذي تحصلت فيه على شهادة البكالوريا في الجزائر، هناك كثير من الطلبة الذين يسألون هذا السؤال بعد نيل البكالوريا، والسؤال هو: ما الذي سأدرسه؟. يسجل الطالب، ويبقى يفكّر في كيفية معرفة ما الذي سيدرسه من بعد، هل يدرس العلوم أو الرياضيات أو غيرها. وهناك سؤال آخر: ما الذي سأفعله إن درست هذا التخصص، وما الذي سأقوم به من بعد ذلك؟، فأنا ولله الحمد، عندما عملت في التكوين المهني والتعليم التجريبي، والتعليم المدمج، ومن بعد ذلك بدأت في مشروع تصميم الحياة مع جامعة ستانفورد، تعلّمت بأنّ هذا السّؤال لا يساعد أحدا، فأحيانا تسأل أحدهم وتقول له: هل الحياة التي تعيشها الآن، هي نتيجة تخطيط قبلي عندما كنت في سن 18 أو 15 سنة؟. فمثلا، نأخذ قصتك أنت الأستاذ أحمد، كلّ الأشياء التي تعملها الآن، لو أعود وأسألك هل خططت لها عندما كنت في سن 18 عند ولوجك إلى الجامعة، وهل الأشياء التي خططت لها موجودة اليوم؟. الجواب هو لا، لماذا لأنّ الحياة تستمر هكذا، تأتيك فرص، وأشياء. بالأمس فقط، التقيت مع طالب جزائري قادما من الجزائر، جاء هنا لأمريكا، اتصل بي، فذهبت لملاقاته، قدّمت له بعض النصائح، فقال لي أنّه وضع خطة في حياته، ومن بعد ذلك حصل على البطاقة الخضراء نتيجة برنامج القرعة لتأشيرات التنوّع للهجرة لأمريكا، فتبدّلت أحوال حياته كلّها. إذن، حياة الإنسان تتبدّل وتتغيّر، وهناك أشياء جيّدة تغيّرها، وأخرى سيئة، الشّيء المؤكد أنّها تتغيّر. وما الذي استنتجته من هذه المشاريع كلّها، ومن تجربتي الشّخصية أنّ الإنسان يشغل نفسه ويرهقها، وهو يخطط ويقول ما الذي سأفعله، وفي الحقيقة هذا السؤال لا ينفع الجواب عنه في شيء. هنا في أمريكا، يسأله الناس كثيرا، رأيت Academic Majors يقومون بسؤال طلبتهم بشأن هذا الأمر، ومستشاري التوجيه المهني يطرحون هذا السؤال، والأساتذة يسألون الطلبة: ماذا ستفعل بالدبلوم؟، وأنا بدوري استنتجت بأنّ هذه الأشياء لا تساعد، وأعتقد أنني أعرف الشيء الذي من الممكن أن يساعد، وهو أن تسأل سؤالا آخر، مثلما قلت في حديث TEDx: السؤال ليس ما الذي تريد أن تفعله؟؛ إنّما السّؤال هو: ما هو الإلهام الذي لديك اليوم؟. هل قرأت كتابا ومنحك الإلهام؟، هل عملت تجربة ومنحتك الإلهام؟، هل سمعت أحدا يتكلّم؟، قمت بتجربة؟، استمعت إلى محاضرة ومنحتك الإلهام، وهكذا. عندما يقول لي أحدهم ليس لي مصدر إلهام، أو نقطة إلهام، ومن بعد ذلك أعرف بأنّه لا يفعل شيئا، وليس مندمجا في المجتمع، أو في الجامعة، أقول له: اذهب وقم بتجارب، اذهب للعمل، للفعل !. اذهب وانخرط في جمعية، أو نادي، قم بالتطوّع، اذهب واعمل في الجامعة أو خارجها، قم بأشياء مثل هذه والإلهام سيأتيك، وعندما يأتي قم بتسجيله، اكتب الشيء الذي يلهمك لكي لا تنساه أوّلا، وثانيا، عندما يأتيك الإلهام لابدّ أن تأخذ الخطوة التي تأتي بعد ذلك، دون ذلك كلّ النّاس قد يأتيهم الإلهام، ومن بعد ذلك لا يفعلون به شيئا. اقرأ عن الفنانين على سبيل المثال، الفنان يأتيه الإلهام، فيبدأ بالرّسم، يبدأ في نظم الشّعر أو شيء من هذا القبيل، أحدهم تأتيه الإلهام فيؤلّف كتابا، أو يبني شيئا ما، يؤسّس شركة، يخلق جمعية، يخلق موقعا على الشّابكة (على الأنترنيت)، أو قد يأتيه الإلهام فيعمل شيئا ما لكنه لا يعرف بالضبط كيف يقوم به، فيأخذ درسا من على الشّابكة، أو يتعلّم بطريقة ما. أحدهم تراه في بيته يأتيه الإلهام فيذهب لطبخ شيء ما، بطريقة بسيطة يمكن أن نعمل هذا. إذن، لكي يكوّن الشخص حياته بشكل جيّد، استنتجت أنّ الإلهام ضروري، بالإضافة إلى الفعل. فينبغي أن تكون ملهما، ولابدّ أن تأخذ خطوة بعد ذلك. لو كلّ شخص يقوم بهذين الأمرين، ستتغيّر حياته نحو الأفضل، لكن أن يبقى جالسا على كرسي، أو متكئا على وسادة، ويغرق في التفكير، ويسأل: ما الذي سأفعله في حياتي؟، ويبدأ في أخذ القرارات، ويقول: سأصبح طبيبا، أو صحفيا فهذا ليس مبنيا على قواعد أساسية وسليمة، أو تجارب. أحدهم يقول لي: أريد أن أكون طبيبا، سأقول له: ما الذي تعرفه عن الطب لكي تقرّر وتقول هذا؟. قل لي: ما هو الشيء الذي أتاك منه الإلهام؟، هل جاءك الإلهام لأنّك مرضت ودخلت مستشفى، ورأيت كيف يتم التعامل مع المرضى، وأنت رغبت في أن تكون طبيبا لكي تساعد المرضى مثلا؟. أو قرأت كتابا عن التشريح، ومن ثمة جاءك الإلهام، حينذاك سأصدّقك؛ أمّا أن تقول لي أحببت أن أكون طبيبا لكي يقول الناس بأنّك طبيب، أو بهدف جمع المال، فذاك ليس إلهاما إنّما هو هدف مبني على شيء دون معنى. هذه الفكرة جاءتني من التجربة التي قمت بها بشأن تصميم الحياة، إذن غيّرتها وكتبتها بطريقة أخرى، ومن بعد ذلك كتبت عليها وتحدّثت عنها في TEDx، وتفاجأت حقيقة لأنّ الناس تقبّلوها بطريقة سريعة جدّا. أنا هنا في جامعة جونز هوبكينز، أذهب لإلقاء محاضرات لأولياء الطلبة، وأحدّثهم عن هذا الموضوع، فيقول الأولياء: حقّا حصلنا على الدّبلوم في سن العشرين، لكن نحن نعمل في ميادين أخرى، ونقوم بأشياء مختلفة، فلو كنّا نعرف ما هي نقطة إلهامنا، وسرنا وتتبعنا هذا الطريق لكانت الأمور الآن أفضل. إذن، أخي أحمد، أنا أعيش حياتي بهذه الطريقة، أقوم باتباع الإلهام، وأقوم بالخطوة القادمة، أقوم بالخطوة الجريئة بعد ذلك مباشرة.             
§       هنا دعني أطرح هذا السّؤال: هل لنظرية الفوضى والذكاء الانفعالي علاقة بالإلهام؟.
هناك نظرية الفوضى (Chaos theory)، ونظرية أخرى تسمى نظرية الحظ (Happenstance theory ) أو بالأحرى تخطيط الحظ، هذه الأخيرة جاء بها الأستاذ جون كرامبولتز (John Krumboltz)، وهو أحد أصدقائي وزملائي (كنا نلتقي كثيرا كلّ صباح)، حيث كان أستاذا في جامعة ستنافورد، وقد توفي السنة الفارطة. هاتان النظريتان، قادتا إلى الوصول إلى النظرية الجديدة المسماة تصميم الحياة (Life Design). الفوضى تعني ألا تخطط، فالدنيا كلّها فوضى، لذلك على الإنسان أن يجد فيها الفرص ليتقدّم. تخطيط الحظ، لا يمكن تخطيط المستقبل، لأنه لا يوجد أحد يستطيع معرفة ما سيحدث له في المستقبل، لكن ما تستطيع فعله هو القيام بأشياء تجعل الحظ يحدث فعلا، لابدّ أن تأخذ المحاذير (أن تغامر). وفي تصميم الحياة ينبغي لك أن تأخذ الخطوة الجريئة، أمّا في نظرية الفوضى فينبغي لك أن تقوم بالفعل. الفوضى يمكن أن تصيبك، وحياتك كلّها عبارة عن فوضى محيطة بك، فإذا جلست في مكانك دون فعل شيء، ستغرق في الفوضى المحيطة بك، لكن إذا عرفت كيف تستغل تلك الفوضى، وتستغل الفرص التي تأتيك، ممكن أن تنجح في الفوضى. النظريات الثلاث تقول بأنك أنت من تتحكم في مستقبلك، مع العلم أنّه لا يمكن أن تخطيط ما سيحدث في المستقبل، على الأقل بالنسبة لك، فأنت لا تستطيع القول سأصبح هكذا، لأنّك عندما تعيش في وسط الفوضى لا يمكن أن تتنبأ كيف ستكون النتيجة، لكن أهمّ شيء أنك تقوم بالفعل، نفس الشّيء بالنسبة لنظرية الحظ، وفي نظرية تصميم الحياة حيث لا يمكنك التخطيط لما ستكون عليه، لكن ينبغي لك البحث على الفضول والإلهام وتتصرّف وتقوم بتجارب تبعا لذلك. والنظريات الثلاث تقول بأنّه ينبغي للشخص أن يكون في حالة ارتياح، وهو يقوم بذلك، وتسمّى باللغة الإنجليزية (Comfort with incertitude) أو الارتياح في عدم اليقين. لابدّ أن تكون في حالة ارتياح عندما تكون غير مطلّع على ما يدور في المستقبل، فلا بدّ أن تكون مرتاحا إزاء هذه الفكرة. أناس كثيرون لا يستوعبون هذه الفكرة، ولا يستطيعون قبولها، على الرغم من أنّ الإنسان يحبّ أن يكون غير متحكّم فيه. الإنسان يحب سياقة السيارة، وهو يعلم ما يحدث في حياته، لكن في الحقيقة هو لا يعلم، وعنده عدم يقين بالذي سيحدث في المستقبل، وعليه أن يكون مرتاحا أمام هذه الفكرة. أنا مثلا، لو تقول لي أستاذ فاروق: ما الذي تريد أن تكون عليه أو أين ترى نفسك من هنا إلى خمس سنوات؟، سأقول لك: الله أعلم. أكره سؤال لدي هو ذلك الذي يسأله كثير من الناس: أين ترى نفسك في الخمس أو العشر سنوات القادمة؟. ما الذي يدريني؟. أنا لا أعلم أين سأكون من هنا إلى السنة القادمة أو العامين القادمين، هذا لا يهمني، ما يهمني هو: ماذا سأفعل اليوم؟.  وبخصوص الذكاء الانفعالي، فهذا ليس له علاقة مباشرة بالإلهام لكن له علاقة بالنجاح في الحياة العملية والشّخصية بشكل عام. ينبغي لك أن تعرف كيف تقرأ الناس، تقرأ البيئة، تتحكم في الانفعالات الشّخصية، والناس الآخرين، وتتعامل معهم. الذكاء الانفعالي ينقص كثيرا من النّاس، وأنا أرى بأنّه مهمّ جدا في الريادة (لدى القادة)، حيث ينبغي أن يوجد لديهم بصفة كبيرة، فالقائد لا بدّ أن يعرف كيف يتصرّف لكي يجعل الناس مدركين بأنه مهتم بهم. على القائد أن يعرف كيف يتعامل مع امرأة أو رجل، مع شعب، مع العمّال، مع مؤسسة أو منظمة، مع بيئته، مع ثقافة ما، كما ينبغي أن يكون على علم وإدراك ووعي بذاته وبيئته المحيطة به، وهذا لكي يضبط تصرّفاته لتيسير أحواله. هذا الأمر أراه ينقص الكثيرين في العالم، كما أرى بأنه ناقص أيضا هنا في الجامعة، ولابدّ أن يكون مقياسا يدرّس.        
§       الدّكتور داي، أطلقتم شهر كانون الأوّل/ ديسمبر 2019، مشروع «المخيم العلمي ريدي BOOTCAMP READY »، وهو مخيّم علمي نشطتموه إلى جانب مجموعة من الباحثين الجزائريين المغتربين في جامعات جزائرية عدة، منها جامعة سكيكدة وجامعة قسنطينة وجامعة بسكرة، خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 23 ديسمبر/كانون الأول 2019. هل لكم أن تقدّموا لنا فكرة حول هذا المشروع؟.
هذا المشروع بعنوان مخيّم ريدي (BOOTCAMP READY) قدّمته إلى جانب مجموعة من الباحثين الجزائريين المغتربين في الخارج لفائدة الطلبة بالجزائر شهر ديسمبر من سنة 2019، وهو قائم على نقل خبراتنا العلمية والمهنية إلى الشّباب والطلاب الجزائريين من خلال تقديم مجموعة من الأنشطة والبرامج حول التكنولوجيا وريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي والتجارة وغيرها.
كان مشروع مخيم ريدي أوّل مشروع تطوّعي علمي لنا في الجزائر، أردنا من خلاله تقديم خدمة لأبناء وطننا بالدرجة الأولى، واستهدفنا من خلاله الطالب لأنّه في اعتقادنا أهمّ عضو في الجامعة ومستقبلها مرهون به، وقد وجدنا عددا من الطلاّب يتقنون اللغة الإنجليزية، ويهتمّون بالمؤسّسات الناشئة، كما أنّهم على  استعداد لخوض تجارب جديدة، فهم يملكون العزيمة القوية ويحتاجون فقط للتوجيه والتشجيع والثقة بأنفسهم. من جهتي أنا مستعد للعودة مرّة أخرى، والقيام بمشاريع أخرى تفيد مجتمعنا، والتفاصيل تأتي من بعد. عندما تكون عندي أكثر تفاصيل عن الشّيء الذي أعتزم القيام به، سأتّصل بك، أخي أحمد، وستكون أوّل من يعلم بذلك.
§       كيف يفسّر الدكتور داي وضع الجامعة الجزائرية التي تقع خارج التصنيف من بين أفضل ألف جامعة بالعالم، في حين تتقدّم بعض الجامعات العربية وتحقّق نتائج جيّدة؟. وكيف يمكن أن تستفيد الجزائر من خبرات أبنائها الذين يحتلّون مناصب قيادية كبيرة في كبريات الجامعات العريقة في العالم، وأنتم أحد هؤلاء؟.
لكي تتغيّر الجامعة، لابدّ للطالب أن يتغيّر ويغيّر تفكيره، وأن يعي دوره في الجامعة. في كثير من الأحيان، أرى الطالب قادما إلى الجامعة، وهو ينتظر أن توفّر له الجامعة أشياء كثيرة لكي يستطيع أن يواصل طريقه، أرى هذا في كثير من بلدان العالم، وحتى هنا في أمريكا. وفعلا، هي مسؤولية أشعر بها كلّ يوم عندما أعمل في الجامعة، حيث ينبغي لي أن أوفر ما أقدر عليه لكي يحصل الطالب على التكوين اللازم. لكن من جهة الطالب، عليه أن يتحكم في حاضره ومستقبله، ويقول: ما الذي علي فعله؟، ويبدأ بالعمل بنفسه. لو أنّ كلّ طالب يقوم بهذا الأمر في أي جامعة في العالم، ستتغيّر أحوال الجامعة بالضرورة، وتتبدّل لكي توفر للطالب ما يحتاجه.
§       في الأخير، عندما تنظر للمستقبل، وتتذكّر الماضي، وتعيش الحاضر، ما الذّي تنصح به؟.
في مقالات كثيرة تحدّثت وقلت بأنّه على الطالب أن يغيّر تفكيره، ويبحث عن مصادر الإلهام، ويقوم بالخطوات الجريئة مهما كانت الصّعوبات. بالنسبة لي، عشت في الجزائر في فترة حرجة وصعبة للغاية، درست في الجامعة الجزائرية في ذات الفترة، لكن بالرغم من ذلك تحدّيت كلّ الصعاب، وركّزت على عملي، فمهما تكن الصعاب والتحديات، هناك فرص يستطيع الطالب أن يستغلها، ويستغل وقته بالأشياء المفيدة، لو يفعل هذا كلّ طالب، ويبدأ العمل والاهتمام بنفسه أعتقد أنّ الجامعة ستتغيّر من حوله، هذا أوّلا. ثانيا، في الزمن الحاضر الذي نعيش فيه، هناك الأنترنيت، والموارد الموجودة على الخط (أونلاين)، اليوتوب (Youtube)، التعليم الإلكتروني (E-learning)، كورسيرا (Coursera  الموكس (MOOCs )، ليندا (Lynda.com)، يوديمي (Udemy)، يوداسيتي (Udacity). يمكن أن تكتب خمس أو عشر روابط لمثل هذه المنصات المختصة بالتعليم الإلكتروني التي تجعل الطالب قادرا على الحصول على المعلومات من أيّ مكان. هذه الأشياء تغيّر الواقع كلّ يوم، وحتى الجامعة ستتغيّر لأنّ المعرفة الآن متاحة عبر الشّابكة (الأنترنيت)، فما هو دور الجامعة مستقبلا؟، الجواب هو أنّ دور الجامعة سيكون القيام بالأبحاث، وما سيبقى في الجامعة هو الحياة الجامعية، والتصديق على الشهادات، لأنّه لا بدّ من هيئة أو منظمة تصدّق على الشّهادات وفقا لما يتعلمه الفرد من المصادر والموارد المفتوحة للتعلّم، فالجامعة ستبقى هي الهيئة التي تمنح الشّهادة. حتى الشّهادة ذاتها، سيأتي زمن لا تكون فيه جدوى لها، حيث يمكن للشخص التقدم إلى شركة، والعمل في مجال البرمجة مثلا دون تقديم وثيقة رسمية تثبت حصول هذا الشخص على المؤهل اللازم لشغل هذه الوظيفة، حيث المعيار الوحيد هو تحكّم الشخص في هذا المجال. الشّيء الذي يمكن أن يبقى في الجامعة هو الأبحاث، أما الحياة الجامعية فيمكن الاستغناء عنها واستبدالها بالحياة المدنية الشخصية، الأشخاص الذين نخالطهم، المكتبة، النوادي، الجمعيات.
وبالعودة إلى النصيحة التي يمكن تقديمها للطالب بالأساس، هي: لا تنتظر أن توفّر لك الجامعة كلّ شيء، حيث يمكنك توفير التعليم المفتوح عبر الخط لنفسك (Online education)، الجامعة تقدّم لك الشّهادة، وخدمات الحياة الجامعية يمكن أن توفّرها لنفسك، والأبحاث إذا استطعت الحصول عليها في الجامعة، قم بالأبحاث وشارك، وإن لم تستطع اخلق أنت هذه الأبحاث، اذهب إلى المكتبة، والمصادر المفتوحة للتعلّم، انجز الأبحاث واستفد إلى أقصى حدّ، تعلّم كيف تبدأ بحثا جديدا، ابحث عن زميل ينجز معك بحثا، ابحث عن أستاذ يشاركك البحث سواء داخل الجامعة أو خارجها، لأنّ العصر الذي نعيش فيه جعلنا نتحكم بشكل أفضل في الحياة الجامعية أكثر من ذي قبل.
النّصيحة هي: اجعل مستقبلك بين أيديك وتحكّم فيه، وسيّره مهما كانت الصعاب!. عندما تبحث كيف تسيّر حياتك، وتتغلّب على الصعاب والمعيقات، وتأخذ الخطوات الجريئة، وتندمج في الحياة الجامعية والمدنية، أعتقد أنه سيحين وقت الفرص، والحظ، وتجد نفسك في تلك الفوضى، حينها يمكنك تسيير حياتك. وفي الأخير، أقول بأنه لدي أمل كبير في الجزائر، وفي الجامعة الجزائرية، لأن الرحلة التي قمت بها إلى الجزائر شهر ديسمبر الفارط جعلتني معجب كثيرا بالطلبة الجزائريين، طموحهم، حماسهم، الشغف بالدراسة، بالتعلّم، حيث وجدتهم يعرفون أشياء كثيرة، منها معرفتهم باللغة الإنجليزية، عوالم الشّابكة (الأنترنيت)، البيئة تتغيّر من حولهم، وأتمنى أن تتحسّن لكي تساعدهم، وعلى الرغم من كلّ الصعوبات، أعتقد أن الطالب بإمكانه النّجاح.    


التعبيراتالتعبيرات

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.