المقاولاتية في صلب السياسة الوطنية للتكوين
والتعليم المهنيين
أحمد بلقمري
مدير فرعي للدراسات والتربصات بالمعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني برأس الوادي، ولاية برج بوعريريج
عرفت الحرف بشكلها التقليدي حضورا على
أرض الجزائر قديما، حيث تعد الجزائر مهدا للوجود البشري الذي يناهز 2.4 مليون سنة وفقا
لآخر الدراسات الأثرية لما قبل التاريخ (2018)، [1] فقد
عثر بعين الحنش وعين بوشريط قرب مدينة العلمة بولاية سطيف، على عدد من الأدلة
تتمثل في القطع الأثرية الحجرية القديمة والعلامات المرتبطة بالعظام الأحفورية،
وهو ما يؤكد أن أشباه الأجداد سكنوا هامش البحر الأبيض المتوسط في شمال إفريقيا في
وقت أبكر بكثير مما كان يعتقد سابقًا، كما يؤكد أيضا أن الإنسان القديم عرف تصنيع
الأدوات الحجرية على هذه الأرض -شمال إفريقيا-.
لقد
كانت الحرف والمهن قوة مؤثرة على امتداد التاريخ، وجزءا لا يتجزأ من التجربة
الإنسانية على أرضنا، ولهذا كان النظر دوما إلى ما يحيط بهما بوصفه استراتيجية
تكيف تُعد بدورها جزء من الامتداد التاريخي. وعلى هذا الأساس أيضا، يندرج
تكوين اليد العاملة المؤهلة والضرورية في قلب اهتمامات وأولويات الحكومة
الجزائرية، باعتبار أن التكوين المهني يعد أحد الالتزامات الرئيسية الأربع
والخمسين للسيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية؛ كما أن المقاولاتية صارت في صلب
السياسة الوطنية للتكوين والتعليم المهنيين، حيث تعمل مصالح الوزارة الوصية على تمكين
الخريجين من إنشاء مؤسسات لتجسيد أفكارهم ومنتوجهم الفكري على أرض الواقع كما هو
معمول به عالميا في إطار تشجيع المقاولاتية والإبداع والابتكار دعما
للنمو الاقتصادي.
دار المرافقة والإدماج فضاء حاضن للمتكونين والخريجين
وفي هذا الإطار، جاء إنشاء دار المرافقة
والإدماج كفضاء لتبادل الآراء والخبرات، حيث تلتقي المصالح العمومية للمساعدة على
إنشاء المؤسسات والإدماج المهني (ANADE-ANGEM-CNAC-ANEM) مع
المؤسسات العمومية والخاصة للتكوين والتعليم المهنيين، والحرفيين، ومتكوني وخريجي
المؤسسات التكوينية، كما تعد دار المرافقة والإدماج فضاء حاضنا لأفكار وإبداعات
متكوني وخريجي مؤسسات القطاع، وتسمح لهم بالحصول على المعارف والمهارات اللازمة لبدء
وتشغيل مؤسساتهم وتسيير مشاريعهم، وخلق الوعي بالعمل الحر كخيار مهني، وتنمية الروح المقاولاتية لديهم
ومساعدتهم على اكتشاف عوالم المؤسسة، وتحفيز هذه الفئة على التشغيل الذاتي
والعمل المقاولاتي، وتسهيل انتقالهم من مرحلة التكوين إلى بيئة العمل بسلاسة نتيجة
تكوين فهم أفضل لعالم المقاولاتية.
تعزيز تجربة المتكونين والخريجين في مجال المقاولاتية من
خلال نموذج بيئة التعلم الداعمة
إن عمل وزارة التكوين والتعليم المهنيين المنسجم مع محاور
السياسة العامة للحكومة، ما فتئت تولي اهتماما كبيرا بمسألة تحقيق معادلة
تكوين=تشغيل، فالغاية من التكوين هي دون شك الوصول إلى التشغيل، سواء كان ذلك عن
طريق الحصول على وظيفة أو عن طريق إنشاء مؤسسة والعمل للحساب الشخصي، وقد تركزت
مؤخرا جهود القطاع لدعم التكوين والتعليم المهنيين في مجال النشاطات المقاولاتية الدائمة،
لا سيما في مجالات التحول الرقمي، والتحول الطاقوي، والمجال الفلاحي ومجال الصناعات
التحويلية والاقتصاد الأخضر، وغيرها من
المجالات الاستراتيجية لما في ذلك من تأثير سريع على المجتمع والاقتصاد على حد
سواء.
وبهذا الخصوص، تعمل الوزارة الوصية على أن تكون دار
المرافقة والإدماج النموذج الوطني الأميز للمقاولاتية وإنشاء المؤسسات، والفضاء
الذي يدعم ويشجع المتكونين والخريجين على المشاركة بنشاط في التنمية الاقتصادية للبلد،
وهي الرؤية التي يدعمها منظور قائم على الرسالة التالية:
دار
المرافقة والإدماج هي مركز وطني متخصص في مساعدة ومرافقة المتكونين والخريجين
الراغبين في الحصول على منصب عمل أو ممارسة العمل الحر أو حاملي المشاريع، من خلال
الاستجابة لاحتياجاتهم من التكوين والتأهيل اللازمين في هذا النطاق، وتقديم
الاستشارات والإرشاد وما يتصل بذلك من المسـاعدة على الحصول على مختلف التراخيص والتمويل
وتيسير ذلك دعما لانطلاق مشاريعهم على نحو أفضل.
بناء القدرات في مجال
المقاولاتية عامل رئيسي في الانتقال إلى سوق العمل
ومن الواضح أن المقاولاتية ليست عملية "مقاس واحد
يناسب الجميع"، فكل قطاع نشاط يتطلب نهجا معينا وحلا مخصصا، لذلك تعمل
الوزارة في إطار العمل مع مختلف الدوائر الوزارية ذات الصلة بسوق الشغل، وكذا انطلاقا
من الفروع الرئيسية الأربعة: المؤسسات العمومية والخاصة للتكوين والتعليم
المهنيين، المتكونون والخريجون، المصالح العمومية للمساعدة على إنشاء المؤسسات
والإدماج المهني، الشركاء الاقتصاديون، على بناء وتطوير سياسة مستديمة ستساعد
في تطوير الشراكات بين هذه الفواعل الأربعة بما يخدم وصل المتكونين
والخريجين أينما وجدوا بفرص العمل والموارد اللازمة لتأسيس وتنمية مشاريعهم، وهو
الأمر الذي لا يخدم مصالح هؤلاء الشركاء فقط، بل الاقتصاد والمجتمع بأكمله، كما
تستهدف الوزارة وضع مناهج وبرامج تكوينية خاصة لتسهيل تفعيل عملية الانتقال من التكوين
إلى العمل وفق التركيز على تفعيل ودمج عناصر ثلاثة في مسار واحد: المهارات وقابلية
الاستخدام والمقاولاتية.
تحدي القطاع: خلق الوعي وترسيخ
روح المقاولاتية لدى المتكونين والخريجين
إن دعم إطلاق ونمو مشاريع المتكونين والخريجين القادرة
على الاستدامة واستحداث فرص العمل واسعة النطاق، لم يعد رفاهية بقدر ما هو حاجة
ماسة وطلبا جادا، وهو ما صار يشكل أولوية مطلقة في برنامج نشاط القطاع، كما أن
مسألة دعم الإبداع والابتكار برزت كعنصر وثيق الصلة بتشجيع ودعم المقاولاتية، وهذا
«بالنظر إلى أثره الكبير لتثمين مخرجات القطاع من الموارد البشرية الـمؤهلة في
مختلف المهن والحرف التي يطلبها سوق الشغل»، كما صرح بذلك الدكتور ياسين مرابي
وزير التكوين والتعليم المهنيين بمناسبة إشرافه على فعاليات اليوم الدراسي
الموسوم، بــ «ترسيخ روح المقاولاتية لدى المتكونين»[2].
وهو ذات الأمر الذي لمسه السيد الوزير خلال زياراته الميدانية لعديد ولايات الوطن،
حيث «أن متربصينا ومُتمهيننا، أصبحوا بفضل المعارف التي اكتسبوها، قادرين على المخاطرة
والاستثمار، وقادرين أيضا على تحويل الفرصة إلى مشروع جديد مُنظم ومُهيكل، وهذا
بغض النظر عن الموارد التي بين أيديهم». [3] كما أضاف السيد الوزير أنه: «قد تم التأكيد على هذه المقاربة في
التزامات السيد رئيس الجمهورية التي ما فتئ يُعبر عنها في عديد المناسبات، وبالأخص
في مُخرجات برنامجه الاستراتيجي المتعلق بالعمل على ظهور جيل جديد من رجال الأعمال،
وكذا تطوير مفهوم عقود التكوين كآلية لدمج حاملي شهادات التكوين المهني في عالم
الشغل، والتفكير في تنظيم جديد وعميق، من شأنه النهوض بالاقتصاد الوطني، تكون فيه
الدولة مرافقة لأصحاب الأفكار والمبادرات، بعيدا عن الريع والربح السريع كما كان
في الماضي». [4]
تغير طبيعة العمل، تغير مستقبل
العمل ! ،
تعزيز المقاولاتية، جزء من الحل !
وبالنظر إلى المستقبل، فإن تحدي تعزيز المقاولاتية سيكمن
في تحسين بيئة أنشطة الأعمال، وهي ليست مسؤولية قطاع التكوين والتعليم المهنيين وحده،
إنما يتطلب ذلك التنسيق الدائم بين مختلف الهيئات العامة، خاصة في ظل الحاجة القوية
لزيادة تأثير الإصلاحات الهيكلية التي أطلقها السيد رئيس الجمهورية، وبالتالـي المسـاعدة
في الوفـاء بالتزامـات وطموحـات الجزائر فيمـا يتعلـق بتحقيق هدف تعزيز تنمية
المقاولاتية كطريقة استراتيجية وعملية لتعزيز خلق فرص العمل والنهوض بالمساواة بين
الجنسين دعما للاقتصاد الوطني.
et al.,1.9-million-
and 2.4-million-year-old artifacts and stone tool–cutmarked bones from Ain
Boucherit, Algeria.Science362,1297-1301(2018).DOI:10.1126/science.aau0008
[2] كلمة الدكتور ياسين مرابي وزير
التكوين والتعليم المهنيين في إطار فعاليات اليوم الدراسي الموسوم بــ: "ترسيخ
روح المقاولاتية لدى المتكونين"، وزارة التكوين والتعليم المهنيين. تلمسان،
18 ديسمبر 2022.
[3] المرجع ذاته.
[4] المرجع ذاته.
التعبيراتالتعبيرات
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.