الأحد، 20 أكتوبر 2013

تطبيق التّوجيه المهني في قطاع التّكوين و التّعليم المهنيين في الجزائر

top

تطبيق التّوجيه المهني في قطاع التّكوين و التّعليم المهنيين في الجزائر

قلم: أحمد بلقمري. مستشار التّوجيه و التّقييم و الإدماج المهنيين
أحمد بلقمري.مستشار التوجيه ت ت إ م


جاء في دراسة نشرت بمجلّة علم النّفس، العددين 10-11 سنتي 2002-2003 بعنوان "تأثير تطبيق التّوجيه المدرسي والمهني على دافعيّة الشّباب و نجاحهم" للباحثين محمود بوسنة و شهرزاد زاهي أنّه من الممكن جدّا أن يساهم التّوجيه السّيّء في إنقاص دافعية الشّباب ليشكّل ذلك عائقا أمام نجاحهم المدرسي، و قد قدّم الباحثان في هذه الدّراسة تحليلا مهمّا لتطبيق التّوجيه في النظام التربوي الجزائري (التعليم الأساسي، الثانوي و التكوين المهني) بحيث أكّدا تأثير نتائج النّقائص المسجّلة في تطبيق التّوجيه على دافعيّة الشّباب؛ كما أشار الباحثان إلى كيفية القيام بالتّوجيه في قطاع التكوين المهني، و توصّلا إلى ملاحظات و نتائج قيّمة سنحاول التطرّق إليها في مقالنا هذا.
تحليل عام لتطبيق التّوجيه؛  نُوجّه نعم لكن كيف؟

وضع حيّز التنفيذ جهاز للتّوجيه في قطاع التكوين المهني سنة 1990، و قد كان من إفرازاته مكاتب الاستقبال، الإعلام و التّوجيه (BAIO) على مستوى كلّ المؤسسات التّكوينية، تمّ تأطير هذه المكاتب بأعوان للاستقبال، أعوان نفسانيّين تقنيّين و مستشارين للتّوجيه لكنّ هذا لم يكن كافيّا لتحقيق توجيه مهني ذو نوعيّة جيّدة لفائدة المتكوّنين، بحيث افتقدت هذه المكاتب في الغالب إلى كفاءة حقيقيّة لمؤطّريها بالنّظر إلى المدارس التّي قدموا منها(علم النّفس، علوم التربية، علم الاجتماع...)، كما ساهم الدّور الذّي حُدّد لها في نقص فاعليّتها نظرا لتوجّهها نحو إعلام الشّباب بالمعلومات الضّرورية حول المهن و التخصّصات المهنية، و كذا شروط الالتحاق لمتابعة تكوين مهني و مواعيد المسابقات و الاختبارات الكتابية؛ لقد قتلت المهام الإدارية لهؤلاء المؤطّرين لا سيما مستشاري التّوجيه روح الدّور الذّي كان من الممكن أن تلعبه إستراتيجية التّوجيه المهني لفائدة الشّباب بدءا بالتّقويم النّفسي و التربوي المستمر للأفراد، تقديم الاستشارات المهنية لهم، إعداد برامج النّمو المهني لفائدتهم، مراقبة و تطوير نوعيّة الخدمات النّفسية المقدّمة من طرف المؤسّسة التّكوينية لصالح المتكوّنين...

ظاهرة التسرّب، نتيجة ماذا؟

اعتبر الباحثان بوسنة و زاهي في دراستهما ظاهرة التسرّب نتيجة حتمية لتطبيق التّوجيه، و قد تمّ التحقّق من هذه الفرضيّة استنادا إلى دراسات سابقة قدّمت لفائدة وزارة التكوين و التّعليم المهنيين، إضافة إلى الملاحظات التّي تمّ تسجيلها في إطار التحليل العام لتطبيق التّوجيه و أثر ذلك في ظهور التسرّب. لقد أشار الباحثان في بحثهما إلى نوعين من التسرّب، يتعلّق الأوّل بالتّسرّب خلال فترة التكوين (Abandons en Cours de Formation-ACF-) أمّا النوع الآخر فهو التسرّب المُبكر(Abandons Précoces -AP-)، هذا الأخير غير محدّد بدقّة من ناحية العدد، لكن لا يمكن تجاهله في كلّ الأحوال. هذا النّوع الهام من المتسرّبين يتعلّق بأولئك الذّين لم يلتحقوا فعليا على الإطلاق بالفروع التي سجّلوا بها، و نجحوا في الاختبارات الكتابية التّي تسمح لهم بالالتحاق لمتابعة تكوين مهني؛ هم في العادة من طالبي الحصول على شهادات مدرسيّة لفائدة أوليائهم(قصد الحصول على العلاوات الاجتماعية)، أو الباحثين عن رخصة لتأجيل التحاقهم بالخدمة العسكريّة الوطنية.

اختيار مهني مُبْكِر و غير دافعي يؤدّي إلى التسرّب

توصّل الباحثان بوسنة وزاهي إلى نتيجة مفادها أنّ الاختيار المهني المبكر -قبل الأوان- و غير الدّافعي يؤدّي بالضّرورة إلى التسرّب، و هذا بالنّظر إلى تدنّي دافعيّة عدد كبير من المتربّصين حتّى قبل الانطلاق في التّكوين، و إبدائهم استعدادات عامة تؤشّر على أهميّة العمل في هذا الاتّجاه قصد تعزيز دافعيّة التعلّم لديهم، كما تجب الإشارة إلى أنّ أسبابا أخرى تؤدّي إلى هذه المشكلة أهمّها الممارسات الصّفيّة، ممارسات أساتذة التكوين المهني(بالنّسبة لفئة المراهقين لا يمكن تجاوز قاعدة: أستاذ جيّد= مهنة أو اختصاص مهني جيّد)، وتأثير المواد المدرّسة و الخبرات التعلّمية السّابقة. كما يبدو بوضوح أنّ مستخدمي التّوجيه لا يعملون بشكل كاف في إطار الاختيار المهني، بحيث لا تسجّل في العادة نشاطات تهدف إلى مساعدة المترشّحين على معرفة نقاط قوّتهم وتوقّعاتهم، استكشافهم للعالم المهني و التّكويني، مقارنة نقاط قوّتهم مع ما تتطلّبه المهن المرغوب فيها، اكتشاف و تحديد المهن المرغوب فيها، مقارنة المهن المختارة و المحدّدة لمشروعهم المهني، و إنجاز المشروع المهني.

ضرورة وجود مقاربة نظرّية علميّة لتنظيم مُمارسة التوجيه

يجب الإقرار إذن بوجود خلل و غموض كبير يحيط بممارسة التّوجيه في قطاع التكوين المهني في الجزائر، وهو ما أثّر فعلا على مستوى أداء المتربّصين، و في هذا السّياق صار لزاما على أصحاب القرار أن يقوموا بإجراء تغييرات تسمح بتحسين هذه الممارسة في إطار مقاربة نظريّة علميّة شاملة، واضحة و محدّدة المعالم بدقّة. يجب الكفّ عن اعتبار التّوجيه كفعل معزول و منتظم و لكن كمسار متواصل يستطيع حقيقة مساعدة الشّاب على إحداث التوافقات الضّرورية بين رغباته، قدراته الفعلية و عروض التكوين من أجل الوصول به إلى الاختيار المهني الواعي والدّافعي.


التعبيراتالتعبيرات

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.