الاثنين، 3 فبراير 2014

مشكلة التّعليم في الجزائر: هل من حلّ؟.*

top



مشكلة التّعليم في الجزائر: هل من حلّ؟.*

إلى متى سيستمرّ تدريس الجهل في المؤسسة التربوية الجزائرية؟
        في الوقت الذّي تراهن كلّ دول العالم على كسب تحدّي ورهان التّعليم نحو إقامة مجتمع المعرفة، لا تزال الجزائر تتخبّط في مشكلات عميقة تعوق تقدّمها نحو اكتساب المعرفة، الاستفادة منها و إنتاجها و نشرها في وقت لاحق. إنّ حال التّعليم لا يسرّ في الجزائر على الرّغم من تزيين الواجهة بالأرقام الخيالية المتعلقة بالكم. فالمشكلة في الجزائر ليست في إتاحة التّعليم للجميع بقدر ما هي  في جودة ونوعيّة التّعليم باعتبار أنّ الجزائر تحتاج إلى موارد بشريّة مؤهلّة لإنجاح و مرافقة مشاريعها التّنموية في ظلّ توفرّها على الموارد المالية في هذا الوقت بالتّحديد. على الرّغم من كلّ ما يقال إلاّ أنّ المشكلة موجودة و الحلول غائبة في ظلّ تحكّم الأنظمة التقليدية المعاديّة للتّطوّر في تسيير المنظومة التربوية الجزائريّة، فأين تكمن المشكلة بالضبط، و هل توجد حلول ناجعة لذلك؟.

سياسات تعليميّة فاشلة..


        إذا قدّمنا قراءات مختلفة في التربية في الجزائر فإنّنا نلاحظ بأنّ السياسة التعليميّة تفتقد إلى الرّؤية الواضحة المتكاملة للعملية التعليمية، حيث تبرز مشكلات محتوى المناهج، شكل الامتحانات و عمليّة تقييم أداء التلاميذ، الضعف العام في تدريس اللغات الأجنبية بما يساعد على التحكّم فيها، كما أنّ السياسة العامة للبلاد لا تعطي الأهميّة اللازمة للتعليم على الرّغم من توفّر الطّلب على التّعليم لغايات اقتصادية، حيث تخوض الجزائر رهان التنمية المستديمة في ظلّ توفّر الموارد المالية إلى غاية الآن. على الرّغم من محاولة الجزائر الوفاء بالتزاماتها أمام منظّمة اليونيسكو إلاّ أنّ أدائها يبقى ضعيفا للغاية إذا ما تتبعنا نتائجها في الميدان. إنّ الطابع الرّاديكالي لاستراتيجيات الإصلاح حكم على كلّ التجارب بالفشل، حيث أخفقت كلّ السياسات الإصلاحية بسبب عدم منح الفرصة لكلّ الفاعلين في عمليّة الإصلاح لا سيما المجتمع المحلّي(الآباء، رؤساء المؤسسات التعليمية، المعلّمون)، إنّ الالتزام القويّ لهؤلاء بعمليّة الإصلاح يقود إلى النّجاح لكنّ العكس هو الذي حدث في الجزائر حيث غيّبت الوصاية هؤلاء الفاعلين الحقيقيين و حاولت فرض سياستها بالقوّة من القمّة إلى القاعدة و من الخارج أيضا.

عدم إشراك المجتمع المحلّي في إصلاح المنظومة التربوية أكبر خطأ..

        إنّ عدم إشراك المجتمع المحلّي في إصلاح المنظومة التربويّة يعتبر أكبر خطأ تقوم به السّلطات الوصيّة. إنّ أيّ سياسة حكيمة تتطلّب إشراك كلّ الفاعلين في العملية التربوية و فتح قنوات الحوار و الاتصال معهم، وهذا بهدف توسيع نطاق الالتحاق بالتعليم في حدود الفرص المتاحة، تحسين التعليم، تفعيل دور وسائل الإعلام في توعيّة المواطنين بأهميّة التعليم في إحداث التنمية. إنّ إشراك المعلّمين في عمليّة الإصلاح  باعتبارهم المحرّك الأوّل للدّفع بالعملية التربوية يساعد كثيرا في إنجاح استراتيجيات الإصلاح، وهنا علينا أن نشير بأنّ هذا ما لم يحدث في الجزائر على الأقل منذ بداية التسعينيات حيث يتعرّض المعلمّون إلى التّهميش كما يتّهم المعلّم بضعف الأداء و يُحمّل المسؤولية في تدنّي مستوى التعليم على الرّغم من تعرّضه إلى عديد الضّغوط المختلفة التّي تعوق مساهمته في أداء وظيفته و التي من بينها مشكلة الاحتراق المهني و غيرها من المشكلات التّي تراكمت مع مرور الزّمن. إضافة إلى كلّ هذا يرى كثيرون بأنّ ضعف السياسة التعليمية يرجع إلى نقص فادح في كفاءة المسؤول الأوّل على قطاع التربية في الجزائر، و الذّي يراهن منذ تولّيه للمسؤولية على التوسّع الكمّي في التعليم، في الوقت الذّي كان من الواجب عليه أن يراهن على أهمّ عنصر في نجاح أيّ سياسة تعليمية ألا و هو نوعيّة وجودة التّعليم.

قياس نوعيّة التعليم يجيب على كلّ الأسئلة..

إنّ عمليّة تقييم نوعيّة التعليم المتاح في الجزائر تعتريها صعوبات كبيرة جدّا، فالمعلومات المتوفّرة شحيحة للغاية و قلّة البيانات و المعلومات المتاحة هي العملة المتداولة لدى الوصاية. لكن مع كلّ هذا تبيّن الدّراسات القليلة التي أجريت لا سيما من بعض المراصد العربية و العالمية بأنّ ضعف التحصيل التعليمي في اللغات و العلوم و الرياضيات هو السمة المشتركة لدى كلّ أطوار التعليم العام في الجزائر، و تمتدّ الظاهرة إلى التعليم الجامعي حيث يعاني التلميذ أو الطالب الجزائري من ضعف كبير إذا ما قارنا أداءه بالمعايير العالمية، وهذا لا يجعله متّهما بالقصور بقدر ما يصفه كضحيّة لفشل السياسات التعليمية المنتهجة. إنّ الافتخار بتوافر الموارد التعليمية و بالإنجازات الكمية في نشر التعليم لا يحلّ المشكلة العميقة للتّعليم في الجزائر بقدر ما يصيب الرّاغبين في تحسين الأوضاع و الفاعلين الحقيقيين بالإحباط.

المصارحة و المصالحة هما الحل..

إنّ الاعتراف بالخطأ فضيلة، و التّخلّص من النّرجسية القاتلة باعتماد المصارحة و المصالحة يقود إلى إيجاد أولى الحلول على طريق وضع سياسة تعليميّة ناجعة ذات رؤية واضحة بما يضمن حق الأجيال في تعليم ذي نوعية جيّدة. إنّ الوضع الرّاهن للتعليم في الجزائر على الرّغم من سوداويته إلاّ أنّ بعض الأمل لا يزال قائما في تجاوز المرحلة باستدراك الوضع و اختيار سلطة عامّة تتميّز بالكفاءة و يقع على عاتقها تنظيم وتحديد الخيارات لسياسة تعليمية عامّة ترسم الاتجاهات، تستشرف المستقبل، و تكون في مستوى التّطلعات و الرّهانات المستقبليّة، و ذلك بإشراك جميع الكفاءات و القدرات والمواهب دون إقصاء أو تهميش، ودون ذلك سيبقى مستقبل الأمة الجزائرية في خطر.  


التعبيراتالتعبيرات

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.