حقّقت
الجزائر توسّعا كميّا معتبرا في التعليم من التعليم الابتدائي إلى الجامعي، إلاّ
أنّ الوضع لا يزال متردّيا للغاية على مستوى نوعيّة التعليم و جودته، فأين تكمن
المشكلة؟. هل يعود هذا التردّي إلى غياب إستراتيجية واضحة ورؤية هادفة وفلسفة
تعليمية تتّجه إلى بناء اقتصاد المعرفة؛ و ذلك ببناء رأس المال البشري؟، أم يعود
الأمر إلى قصور أداء القائمين على شؤون التّعليم ؟؛ أم إلى غياب البرامج و المناهج
المتطوّرة التّي تحقق في النهاية تنمية شاملة؟.
أهميّة
التعليم..
يكتسي الاهتمام بالتعليم في أي بلد في
العالم أهمية بالغة لما لذلك من آثار على مختلف الأصعدة، الاقتصادية، السياسية،
الاجتماعية و الثقافية، وذلك تبعا لحاجة هذا البلد للاستثمار في ثرواته الاقتصادية
و البشرية، و بالتالي تحقيق التنمية المستديمة. وقد اعتبرت الدول المتقدمة التعليم
بمثابة ضرورة للدفاع و الأمن القومي، وخير دليل على ذلك اهتمام القوة الأولى في
العالم الولايات المتحدة الأمريكية بالتعليم منذ وقت طويل وقد تعززت هذه العناية
منذ صدور قانون التربية للأمن القومي عام 1957 وذلك بعد إطلاق الاتحاد السوفياتي
للقمر الصناعي، وهو قانون جاء ليطعن في مصداقية النظام التعليمي الأمريكي لعجزه
على الوصول إلى ما وصل إليه السوفيات، بالرغم ما كان يوصف به النظام السوفياتي من
تسلط و إعاقة للابتكار و الإبداع و التقدم.ثم جاء التقرير الأشهر على الإطلاق في
تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان "أمة في خطر" سنة 1983
ليؤكد نفس المعنى و يوصي بأهمية إعطاء العناية اللازمة و الأولوية لتطوير قطاع
التعليم، وبعدها توالت السياسات الأمريكية لتقييم و إصلاح التعليم، حيث أطلق
الرئيس الأمريكي جورج بوش سنة 1999مشروعا قوميا للتعليم سماه " أمريكا عام
2000"، وهو عبارة عن إستراتيجية متكاملة للنهوض بالنظام التعليمي
وترقيته..وقد كان هذا الاهتمام المتزايد بقضية التعليم من طرف الأمريكيين درسا
كبيرا لكل البلدان في العالم...
التعليم في
الجزائر..
التعليم
الأساسي ( الابتدائي و المتوسط)..
إننا في الجزائر بالرغم من التوسع الكمي
الكبير و الإنجازات التي تحققت منذ استرجاع السيادة الوطنية إلى اليوم لا نزال
نعاني من ضعف السياسة التعليمية التي لم تستطع أن تواكب احتياجات التنمية، وهذا
راجع لعدم وضوح السياسة التعليمية وعدم نضج كل التجارب التي هدفت للإصلاح التربوي،
فبعد الاستقلال مباشرة تركزت جهود الإصلاح على إصلاح بنية التعليم و إعداد المعلم
و إحلال اللغة العربية كلغة للتدريس محل اللغة الفرنسية، وبقينا نراوح مكاننا مع
كل إصلاح حتى ساد الاعتقاد بأن لب و جوهر قضية الإصلاح هو التركيز على هذه الجبهات
دون أخرى، و بين هذا المد و الجزر ضيعنا أهم محور في مسألة التعليم و المتعلق
بنوعية التعليم، فالتعليم المتاح سابقا و التعليم الحالي لا يتمتع بالنوعية
الجيدة، حيث يفتقد التعليم المتاح في الجزائر للهدف التنموي و الإنساني على وجه
سواء، فهو لا يتجه إلى تحسين نوعية الحياة وتنمية قدرات الفرد الكامنة و الخلاقة.
كما أن التعليم المتاح في الجزائر أغفل إلى وقت قريب التعليم ما قبل المدرسي في
وقت ركزت الإصلاحات على التعليم الأساسي الذي اعتبر بمثابة القاعدة المتينة
لمواصلة التعلم بشتى أشكاله، لكن هذه السياسة سعت إلى ضمان توفير التعليم الأساسي في
وقت تنازلت أو أهملت النوعية.أما التعليم الثانوي باعتباره نقطة تحول في حياة
الفرد فقد فشل في إعداد الشباب لولوج عالمي التعليم العالي أو العمل، وذلك راجع
إلى أسباب عديدة أهمها ضعف المناهج التعليمية التي تكرس التبعية و الخضوع و الطاعة
و لا تشجع التفكير النقدي الحر، هذا ما يؤثر سلبا على عمليتي التعليم و التعلم على
أساس أن محتوى المناهج يجب أن يشجع ويحفز روح النقد ( نقد المسلمات الاجتماعية و السياسية و
الاقتصادية ...) و الاستقلالية و الإبداع لدى التلاميذ لا أن يثبطهم ويقتل فيهم
هذه الملكات.
التعليم
العالي..
بالرغم من أهمية هذه المرحلة من التعليم
لمرافقة عملية التنمية في البلد من خلال وظائف التعليم العالي المتمثلة في البحث،
و التجديد، و التعليم و التدريب، و التعليم المستمر إلا أننا نلاحظ شبه عجز أصاب
مؤسسات التعليم العالي في الجزائر، فجامعاتنا تحتل أدنى المراتب في مختلف تصنيفات
الجامعات العالمية، حيث تحتل أولى جامعة جزائرية مصنفة في الترتيب العالمي وهي
جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان مرتبة 4132 عالميا و المرتبة 23 إفريقيا،
وهي مرتبة بعيدة جدا عن معايير قياس جودة التعليم، وتعود أسباب هذا العجز غلى
التبعية المطلقة و المباشرة للسلطة الحاكمة، في الوقت الذي كان يجب أن تتمتع
الجامعة بهامش استقلالية كبير حتى تستطيع تحقيق أهدافها المرتبة بالحاجات الأساسية
للتنمية، وهنا تحولت الجامعة من صرح ومنهل للعلم و المعرفة، ومن خزان للرأس المال
البشري المنتج للمعرفة إلى خزان للطلبة المكدسين في الجامعة بأرقام كبيرة إرضاء
للمجتمع و جلبا للتهدئة الاجتماعية على حساب النوعية، حيث أصبحت الجامعات تدار
وفقا لمقتضيات الحزب الحاكم و المنطق السياسي الذي يمسك بزمام السلطة، في الوقت
الذي كان يجب أن تعطى العناية الكافية للجامعة ونوعية التعليم المتاح و ذلك بإتاحة
التعليم مدى الحياة لكل الأفراد على حد سواء دون التمييز بينهم في السن أو الجنس
أو العرق أو الدين أو الزمان و المكان، و الاعتراف بالكفاءات المكتسبة بفضل طرائق
جديدة لمنح الشهادات، وهذا يتطلب إعادة نظر عميقة في الميكانيزمات و الشروط التي
تسمح بتحرير العقول و تشجع على الابتكار و الإبداع في إطار الحرية.
إنّ
الوضع الراهن للتعليم في الجزائر يجعلنا ندق ناقوس الخطر خاصة وأن تراجع الجزائر
في هذا الميدان بات ملحوظا على المستوى العالمي خاصة ما تعلق بنوعية و جودة
التعليم، مما يجعلنا نحث على إجراء إصلاحات جذرية وعميقة، جادة و حقيقية في
المنظومة التربوية بدء بتنحية كل المسؤولين الذين أثبتوا فشلهم في تسيير قطاعات
التربية والتكوين و التعليم العالي، و وصولا إلى تخطيط فلسفة تعليمية واضحة
المعالم، وهذا لا يتأتى إلا بإشراك كل الخبراء والمهتمين بشؤون التعليم و مشاركتهم
في إطار الحوار الواسع و الحر الذي يقود للإصلاح
التربوي الحقيقي.
*نشر بصحيفة الجزائر نيوز. العدد: 2232، 12 ماي2011
التعبيراتالتعبيرات
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.